لا بد ان الأحداث الجارية في غزة سوف تغير آلية أمريكا في التعامل مع الصراع الفلسطيني الاسرائيلي بشكل تدريجي و على عكس التوقعات المتفائلة التي قد تتبادر لذهن القارئ حيال فكرة حل الدولتين إلا أني استبعد هذا الحل تماما لأنه يتنافى مع السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط المتمثلة بتأجيج الصراعات و الحروب و تعقيدها والحيول دون حسمها بالوسائل غير المباشرة ناهيك عن خطة اسرائيل التوسعية التي ستجهض في حال اعتماد حل الدولتين ، فاسرائيل لا تضع حدود لدولتها وتعتبر حل الدولتين بمثابة تهديد وجودي لها ، إلا أني أرى أن الولايات المتحدة ستبدأ - اذا لم تكن قد بدأت بالفعل بتجهيز آلية أكثر احترافية للتحكم بردات الفعل الاسرائيلية التي أبدت رعونة غير مسبوقة في حربها الأخيرة على غزة و هنا لا أقصد الرعونة المتمثلة بقصف المناطق المأهولة والتي لا تدخل كثيرا في حسابات السياسيين (إلا من ناحية إثارة الرأي العام) و إنما اقصد هنا الاندفاع و الحماس الاسرائيلي و حالات الخروج عن النص المتكررة والتي كادت أن تجر الولايات المتحدة إلى حرب مباشرة لا ناقة لها فيها و لا جمل ، و هذا ما يعتبر خطا أحمرا لدى أمريكا و هي التي اعتادت أن تتحكم بأزرار السياسة و توجه الحلفاء حسب خططها و إرادتها لا العكس ! .
و هذا هو جوهر الخلاف الأمريكي الفرنسي منذ عقود فالولايات المتحدة في علاقاتها مع حلفاءها لا تعطي دفة القيادة للحليف إلا باتفاقية ودراسة مسبقة وفي حالات خاصة ، أضف إلى ذلك أثر الرأي العام العالمي و الإضرار بسمعة اسرائيل وأمريكا لدى دول العالم قد يؤثر على الاستراتيجيات الأمريكية بنواحيها الاقتصادية و السياسية و الاجتماعية على المدى القصير أو المدى البعيد ، أضف إلى ذلك أن الولايات المتحدة قد استبدلت الحروب المباشرة -بعد غزو العراق- بحروب الوكالة فاسرائيل ليست إلا أوكرانيا و ليست إلا كوريا الجنوبية و ليست إلا تايوان باختصار ليست إلا حليف شطرنجي حاول اللعب خارج الرقعة التي حددتها أمريكا ، والحل بتقديري في المرحلة القادمة سيكون بتدخل الولايات المتحدة بتعيين رؤوساء الحكومات و مصنعي القرار في اسرائيل بجميع الطرق المتاحة المباشرة منها و غير المباشرة سعيا منها لايجاد قادة أكثر مرونة و انقيادا و عقلانية ،وبالتأكيد مع الحفاظ على الثوابت نفسها مع حليفتها .
أما فيما يتعلق بموضوع الصراع القائم فاعتقد بأن الولايات المتحدة اضطرت لايقاف الحرب مرغمة في 22.11.2023 وليس هناك أي احتمال لاستئنافها رغم كل الدعايات الاسرائيلية للعودة للقتال بعد الهدنة إلى أن حلا توافقيا مؤقتا أمريكيا سينهي المأزق بعد أن تعلمت الولايات المتحدة درسا جديدا ، فالحرب لم تعد مجدية ولن يضيف استمرارها أي نقاط جديدة لصالح اسرائيل .
29.11.2023
دمشق خلاصة الزمان ..... مبدأه و منتهاه